الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
معنى هذه الكلمات الثلاث متقارب وهو: التوصل بالأسباب الخفية إلى الانتقام من العدو. ولا يجوز وصف الله بها وصفًا مطلقًا بل مقيدًا لأنها عند الإطلاق تحتمل المدح والذم والله سبحانه منزه عن الوصف بما يحتمل الذم. وأما عند التقييد بأن يوصف الله بها على وجه تكون مدحًا لا يحتمل الذم دالًا على علمه وقدرته وقوته فهذا جائز لأنه يدل على كمال الله. والدليل على اتصاف الله تعالى: بهذه الصفات قوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} [الأنفال: 30]. وقوله تعالى: {إنهم يكيدون كيدًا .وأكيد كيدًا} [الطارق:15: 16]. وقوله تعالى: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال} [الرعد: 13]. يكون المكر والكيد والمِحال صفة مدح: إذا كان لإثبات الحق وإبطال الباطل ويكون ذمًا فيما عدا ذلك. ولا يجوز أن يشتق من هذه الصفات أسماء لله فيقال :الماكر والكائد؛ لأن أسماء الله الحسنى لا تحتمل الذم بأي وجه وهذه عند إطلاقها تحتمل الذم كما سبق. العفو: العفو هو المتجاوز عن سيئات الغير وهو من أسماء الله ودليله قوله تعالى: {وكان الله عفوًا غفورًا} [النساء: 99]. من نصوص الصفات السلبية: سبق لك أن صفات الله ثبوتية وهي التي أثبتها الله لنفسه وسلبية وهي التي نفاها عن نفسه وأن كل صفة سلبية فإنها تتضمن صفة مدح ثبوتية وقد ذكر المؤلف رحمه الله آيات كثيرة في الصفات السلبية ومنها {هل تعلم له سميًا} [مريم: 65]. {ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 4]. {فلا تجعلوا لله أندادًا} [البقرة:22]. والسمي والكفؤ والند معناها متقارب وهو المثيل والنظير ونفي ذلك من الله يتضمن انتفاء ما ذكر وإثبات كماله حيث لا يماثله أحد لكماله ومنها قوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيرًا} [الإسراء: 111]. فأمر الله بحمده لانتفاء صفات النقص عنه وهي اتخاذ الولد ونفيه عن الله يتضمن مع انتفائه كمال غناه ونفي الشريك عن الله يتضمن كمال وحدانيته وقدرته. ونفي الولي عنه من الذل يتضمن كمال عزه وقهره ونفي الولي هنا لا ينافي إثباته في موضع آخر كقوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} [البقرة: 257]. وقوله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} [يونس: 62]. لأن الولي المنفي هو الولي الذي سببه الذل أما الولي بمعنى الولاية فليس بمنفي. ومنها قوله تعالى: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض} [الجمعة: 1]. والتسبيح تنزيه الله عن النقص والعيب وذلك يتضمن كمال صفاته. وفي الآية دليل على أن كل شيء يسبح الله تسبيحًا حقيقيًا بلسان الحال والمقال إلا الكافر فإن تسبيحه بلسان الحال فقط لأنه يصف الله بلسانه بما لا يليق به. ومنها قوله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذًا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} [المؤمنون: 91]. ففي هذه الآية نفي اتخاذ الولد، ونفي تعدد الآلهة وتنزيه الله عما وصفه به المشركون وهذا يتضمن مع انتفاء ما ذكر كمال الله وانفراده بما هو من خصائصه وقد برهن الله على امتناع تعدد الآلهة ببرهانين عقليين: أحدهما: أنه لو كان معه إله لانفرد عن الله بما خلق ومن المعلوم عقلًا وحسًا أن نظام العالم واحد لا يتصادم ولا يتناقض وهو دليل على أن مدبره واحد. والثاني: أنه لو كان مع الله إله آخر لطلب أن يكون العلو له وحينئذ إما أن يغلب أحدهما الآخر فيكون هو الإله وإما أن يعجز كل منهما عن الآخر فلا يستحق واحد منهما أن يكون إلهًا لأنه عاجز. ومنها قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون} [البقرة: 169]. وهذه المحرمات الخمس أجمعت عليها الشرائع وفيها إثبات الحكمة وإثبات الغيرة له لأنه حرم هذه الأمور ومعنى قوله: ما لم ينزل به سلطانًا: أي ما لم ينزل به دليلًا وهو قيد لبيان الواقع لأنه لا يمكن أن يقوم الدليل على الإشراك بالله وعلى هذا فلا مفهوم له وفي هذه الآية ردٌ على المشبهة في قوله : {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا} [آل عمران: 151] . لأن المشبهة أشركوا به حيث شبهوه بخلقه وفيها رد على المعطلة في قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [البقرة: 169]. لأن المعطلة قالوا على الله مالا يعلمون حيث نفوا صفاته عنه بحجج باطلة وهذا هو وجه مناسبة ذكر هذه الآية في العقيدة. العلو وأقسامه: العلو: الارتفاع وأقسام العلو ثلاثة: 1. 1. علو الذات ومعناه أن الله بذاته فوق خلقه. 2. 2. علو القدر ومعناه أن الله ذو قدر عظيم لا يساويه فيه أحد من خلقه ولا يعتريه معه نقص. 3. 3. علو القهر ومعناه أن الله تعالى: قهر جميع المخلوقات فلا يخرج أحد منهم عن سلطانه وقهره. وأدلة العلو الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة. فمن الكتاب قوله تعالى: {وهو العلي العظيم} [الشورى: 4]. ومن السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ربنا الله الذي في السماء) وإقراره الجارية حين سألها أين الله قالت :في السماء فلم ينكر عليها بل قال :أعتقها فإنها مؤمنة. وفي حجة الوداع أشهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه على إقرار أمته بالبلاغ وجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الناس وهو يقول: "اللهم اشهد ". وأما الإجماع على علو الله فهو معلوم بين السلف ولم يعلم أن أحدًا منهم قال بخلافه وأما العقل فلأن العلو صفة كمال والله سبحانه متصف بكل كمال فوجب ثبوت العلو له. وأما الفطرة فإن كل إنسان مفطور على الإيمان بعلو الله ولذلك إذا دعا ربه وقال :يا رب لم ينصرف قلبه إلا إلى السماء. والذي أنكره الجهمية من أقسام العلو علو الذات ونرد عليهم بما سبق في الأدلة. استواء الله على عرشه: معنى استواء الله على عرشه علوه واستقراره عليه وقد جاء عن السلف تفسيره بالعلو والاستقرار والصعود والارتفاع، والصعود والارتفاع يرجعان إلى معنى العلو. ودليله قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5]. وقد ذكر في سبعة مواضع من القرآن. ونرد على من فسره بالاستيلاء والملك بما يأتي: 1. 1. أنه خلاف ظاهر النص. 2. 2. أنه خلاف ما فسره به السلف. 3. 3. أنه يلزم عليه لوازم باطلة. والعرش لغة: سرير الملك الخاص به، وشرعًا: ما استوى الله عليه وهو من أعظم مخلوقات الله بل أعظم ما علمنا منها فقد جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ما السموات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة). المعية المعية لغة: المقارنة والمصاحبة. ودليل ثبوت المعية لله قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4]. وتنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة: فالعامة هي الشاملة لجميع الخلق كقوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4]. ومقتضى المعية هنا الإحاطة بالخلق علمًا وقدرة وسلطانًا وتدبيرًا. والخاصة هي التي تختص بالرسل وأتباعهم كقوله تعالى: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]. وقوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128]. وهذه المعية تقتضي مع الإحاطة النصر والتأييد. والجمع بين المعية والعلو من وجهين: أولًا: أنه لا منافاة بينهما في الواقع فقد يجتمعان في شيء واحد ولذلك تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا مع أنه في السماء. ثانيًا: أنه لو فرض أن بينهما منافاة في حق المخلوق لم يلزم أن يكون بينهما منافاة في حق الخالق لأنه ليس كمثله شيء وهو بكل شيء محيط. ولا يصح تفسير معية الله بكونه معنا بذاته في المكان: أولًا: لأنه مستحيل على الله حيث ينافي علوه وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. ثانيًا: أنه خلاف ما فسرها به السلف. ثالثًا: أنه يلزم على هذا التفسير لوازم باطلة. معنى كون الله في السماء: معناه على السماء أي فوقها ففي بمعنى على كما جاءت بهذا المعنى في قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض} [النمل: 69]. أي عليها ويجوز أن تكون في للظرفية والسماء على هذا بمعنى العلو فيكون المعنى أن الله في العلو وقد جاءت السماء بمعنى العلو في قوله تعالى: {أنزل من السماء ماءً} [فاطر: 27]. ولا يصح أن تكون في للظرفية إذا كان المراد بالسماء الأجرام المحسوسة لأن ذلك يوهم أن السماء تحيط بالله وهذا معنى باطل لأن الله أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته. قول أهل السنة في كلام الله تعالى: قول أهل السنة في كلام الله أنه صفة من صفاته لم يزل ولا يزال يتكلم بكلام حقيقي يليق به يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة لا يماثل أصوات المخلوقين يتكلم بما شاء ومتى شاء وكيف شاء وأدلتهم على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليمًا } [النساء: 164]. وقوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربه} [الأعراف: 143]. والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيًّا} [مريم: 52]. ومن السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الله تعالى: (يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار فيقول: يا ربي وما بعث النار). ودليلهم على أنه بحروف قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة: 35]. فمقول القول هنا حروف. ودليلهم على أنه بمشيئة قوله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} [الأعراف: 143]. فالتكليم حصل بعد مجيء موسى عليه الصلاة والسلام. وكلام الله تعالى: صفة ذات باعتبار أصله فإن الله لم يزل ولا يزال قادرًا على الكلام متكلمًا، وصفة فعل باعتبار آحاده لأن آحاد الكلام تتعلق بمشيئته متى شاء تكلم. وأكثر المؤلف من ذكر أدلة الكلام لأنه أكثر ما حصلت فيه الخصومة ووقعت به الفتنة من مسائل الصفات. قول أهل السنة في القرآن الكريم: يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود فدليلهم على أنه كلام الله قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6]. يعني القرآن. ودليلهم على أنه منزل قوله تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } [الفرقان:1 ]. وقوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} [النمل: 46]. والدليل على أنه غير مخلوق قوله تعالى: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54] فجعل الأمر غير الخلق والقرآن من الأمر لقوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} [الشورى: 52] . ولأن القرآن من كلام الله وكلام الله صفة من صفاته. وصفات الله غير مخلوقة. ومعنى منه بدأ أن الله تكلم به ابتداء ومعنى إليه يعود أنه يرجع إلى الله في آخر الزمان حينما يرفع من المصاحف والصدور وتكريمًا له إذا اتخذه الناس هزوًا ولهوًا. السنة: السنة لغة: الطريقة ،وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما شرعه من قوله أو فعله أو إقراره خبرًا كانت أو طلبًا والإيمان بما جاء فيها واجب كالإيمان بما جاء في القرآن سواء في أسماء الله وصفاته أو في غيرها لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7]. وقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80]. حديث النزول: حديث النزول هو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له). ومعنى النزول عند أهل السنة أنه ينزل بنفسه سبحانه نزولًا حقيقيًا يليق بجلاله ولا يعلم كيفيته إلا هو. ومعناه عند أهل التأويل نزول أمره، ونرد عليهم بما يأتي: 1. 1. أنه خلاف ظاهر النص وإجماع السلف. 2. 2. أن أمر الله ينزل كل وقت وليس خاصًا بثلث الليل الآخر. 3. 3. أن الأمر لا يمكن أن يقول: من يدعوني فأستجيب له.. إلخ. ونزوله سبحانه إلى السماء الدنيا لا ينافي علوه لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء ولا يقاس نزوله بنزول مخلوقاته. الفرح والضحك والعَجَب: الفرح ثابت لله لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته.. ) الحديث. وهو فرح حقيقي يليق بالله ولا يصح تفسيره بالثواب لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف. والضحك ثابت لله تعالى: لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخلان الجنة). وفسره أهل السنة والجماعة بأنه ضحك حقيقي يليق بالله. وفسره أهل التأويل بالثواب ونرد عليهم بأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف وصورتها أن كافرًا يقتل مسلمًا في الجهاد ثم يسلم ذلك الكافر ويموت على الإسلام فيدخلان الجنة كلاهما. والعجب ثابت لله تعالى: لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره) الحديث. والممتنع على الله من العَجَب هو ما كان سببه الجهل بطرق المتعجب منه لأن الله لا يخفى عليه شيء أما العَجَب الذي سببه خروج الشيء عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه فإن ذلك ثابت لله. وقد فسره أهل السنة بأنه عَجَب حقيقي يليق بالله وفسره أهل التأويل بثواب الله أو عقوبته ويرد عليهم بأنه خلاف ظاهر النص وإجماع السلف. القدم: القدم ثابتة لله تعالى: لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (جهنم يُلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها رجله وفي رواية عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط). وفسر أهل السنة الرِجْل والقدم بأنها حقيقية على الوجه اللائق بالله. وفسر أهل التأويل الرجل بالطائفة أي الطائفة الذين يضعهم الله في النار والقدم بالمقدمين إلى النار وأرد عليهم بأن تفسيرهم مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف وليس عليه دليل. حديث رقية المريض وحديث الجارية التي سألها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أين الله قالت: في السماء: في حديث رقبة المريض من صفات الله إثبات ربوبية الله وإثبات علوه في السماء وتقدس أسمائه عن كل نقص وأن له الأمر في السماء والأرض فحكمه فيهما نافذ وإثبات الرحمة وإثبات الشفاء لله وهو رفع المرض. وفي حديث الجارية من صفات الله: إثبات المكان لله وأنه في السماء. الدليل على أن الله قبل وجه المصلي: الدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه..) الحديث. وهذه المقابلة ثابتة لله حقيقة على الوجه اللائق به ولا تنافي علوه والجمع بينهما من وجهين: 1. 1. أن الاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق كما لو كانت الشمس عند طلوعها فإنها قبل وجه من استقبل المشرق وهي في السماء فإذا جاز اجتماعهما في المخلوق فالخالق أولى. 2. 2. أنه لو لم يمكن اجتماعهما في حق المخلوق فلا يلزم أن يمتنع في حق الخالق لأن الله ليس كمثله شيء. الدليل على قرب الله: الدليل قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186]. وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنما تدعون سميعًا قريبًا). وهو قرب حقيقي يليق بالله تعالى ولا ينافي علوه لأنه تعالى: بكل شيء محيط ولا يقاس بخلقه لأنه ليس كمثله شيء. الدليل على أن الله يُرى: الدليل على رؤية الله قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26]. فقد فسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزيادة بالنظر إلى وجه الله وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تُغلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا). والتشبيه في هذا الحديث للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي لأن كاف التشبيه داخلة على فعل الرؤية المؤول بالمصدر ولأن الله ليس كمثله شيء والمراد بالصلاتين المذكورتين الفجر والعصر. ورؤية الله في الآخرة لا في الدنيا لقوله تعالى: لموسى حين سأله رؤيته: {لن تراني} [الأعراف: 143]. وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا). ورؤية الله لا تشمل الكفار لقوله تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15]. وفسر أهل السنة هذه الرؤية برؤية العين للأدلة الآتية: أولًا: أن الله أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محل العين فقال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22: 23]. ثانيا: أنه جاء في الحديث (إنكم سترون ربكم عيانًا). وفسره أهل التأويل برؤية الثواب أي إنكم سترون ثواب ربكم. وأرد عليهم بأنه خلاف ظاهر اللفظ وإجماع السلف وليس عليه دليل. مذهب الجهمية والأشعرية والكلاَّبية في كلام الله: مذهب الجهمية في كلام الله أنه خلق من مخلوقاته لا صفة من صفاته وإنما أضافه الله إليه إضافة تشريف وتكريم كما أضاف إليه البيت والناقة في قوله : {وطهر بيتي} [الحج: 26]. وقوله : {هذه ناقة الله} [الأعراف: 73]. ومذهب الأشعرية أن الكلام صفة من صفاته لكنه هو المعنى القائم بالنفس وهذه الحروف مخلوقة لتعبر عنه والكلابية يقولون كقول الأشعرية إلا أنهم سموا الألفاظ حكاية لا عبارة. وعلى مذهبيهما ليس كلام الله بحرف وصوت وإنما هو المعنى القائم بنفسه.
هذه الأمة وسط بين الأمم: الدليل قوله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} [البقرة: 143]. وقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110] ومثال كونها وسطًا في العبادات رفع الله عن هذه الأمة من الحرج والمشقة اللذين كانا على من قبلهما فهذه الأمة إذا عدموا الماء تيمموا وصلّوا في أي مكان بينما الأمم الأخرى لا يصلون حتى يجدوا الماء ولا يصلون إلا في أمكنة معينة. ومثال كونها وسطًا في غير العبادات القصاص في القتل كان مفروضًا على اليهود وممنوعًا عند النصارى ومخيرًا بينه وبين العفو أو الدية عند هذه الأمة. فِرَق هذه الأمة: فِرَق هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة والناجي منها من كان على مثل ما عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وكلها في النار إلا الناجية لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا : من هي يا رسول الله قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
الأصول التي كان أهل السنة وسطًا فيها بين فرق الأمة هي خمسة: الأول: أسماء الله وصفاته. أهل السنة وسط فيها بين أهل التعطيل وأهل التمثيل لأن أهل التعطيل ينكرون صفات الله وأهل التمثيل يثبتونها مع التمثيل وأهل السنة يثبتونها بلا تمثيل. الثاني: القضاء والقدر الذي عبر عنه المؤلف بأفعال الله فأهل السنة وسط فيه بين الجبرية والقدرية لأن الجبرية يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: إنه مجبر لا قدرة له ولا اختيار والقدرية ينكرون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: إن العبد قادر مختار لا يتعلق فعله بقضاء الله وأهل السنة يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: إن له قدرة واختيارًا أودعهما الله فيه متعلقين بقضاء الله. الثالث: الوعيد بالعذاب فأهل السنة وسط فيه بين الوعيدية وبين المرجئة لأن الوعيدية يقولون: فاعل الكبيرة مخلد في النار والمرجئة يقولون: لا يدخل النار ولا يستحق ذلك وأهل السنة يقولون: مستحق لدخول النار دون الخلود فيها. الرابع: أسماء الإيمان والدين: فأهل السنة وسط فيه بين المرجئة من جهة وبين المعتزلة والحرورية من جهة لأن المرجئة يسمون فاعل الكبيرة مؤمنًا كامل الإيمان والمعتزلة والحرورية يسمونه غير مؤمن لكن المعتزلة يقولون :لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين والحرورية يقولون: إنه كافر وأهل السنة يقولون: إنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. الخامس: أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأهل السنة وسط فيه بين الروافض والخوارج لأن الروافض بالغوا في حب آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغلوا فيهم حتى أنزلوهم فوق منزلتهم والخوارج يبغضونهم ويسبونهم وأهل السنة يحبون الصحابة جميعهم وينزلون كل واحد منزلته التي يستحقها من غير غلو ولا تقصير. طوائف المبتدعة الذين أشار إليهم المؤلف في هذه الأصول السابقة: أشار المؤلف إلى طوائف من أهل البدع. أولًا: الجهمية: وهم أتباع الجهم بن صفوان الذي أخذ التعطيل عن الجعد بن درهم وقتل في خراسان سنة 128 هـ. ومذهبهم في الصفات إنكار صفات الله وغلاتهم ينكرون حتى الأسماء ولذلك سموا بالمعطلة ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مجبور على عمله ليس له قدرة ولا اختيار ومن ثم سموا جبرية. ومذهبهم في الوعيد وأسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار ولذلك سموا مرجئة. ثانيًا: المعتزلة وهم أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري حين كان الحسن يقرر أن فاعل الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان فأعتزله واصل وجعل يقرر أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين ومذهبهم في الصفات إنكار صفات الله كالجهمية ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مستقل بفعله ويفعل بإرادة وقدرة مستقلًا عن قضاء الله وقدره عكس الجهمية ولذلك سموا قدرية ومذهبهم في الوعيد أن فاعل الكبيرة مخلد في النار عكس الجهمية القائلين بأنه لا يدخل النار ولذلك سموا الوعيدية ومذهبهم في أسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين ليس مؤمنًا ولا كافرًا عكس الجهمية القائلين بأنه مؤمن كامل الإيمان ولذلك سموا أصحاب المنزلة بين منزلتين. ثالثًا: الخوارج: سموا بذلك لخروجهم على إمام المسلمين ويقال لهم: الحرورية نسبة إلى حروراء موضع بالعراق قرب الكوفة خرجوا فيه على علي بن أبي طالب كانوا من أشد الناس تدينًا في الظاهر حتى قال فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم إلى يوم القيامة). ومذهبهم في الوعيد أن فاعل الكبيرة مخلد في النار كافر يحل دمه وماله ومن ثم استباحوا الخروج على الأئمة إذا فسقوا. رابعًا: الروافض: ويقال لهم: الشيعة الذين يغلون في آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويفضلون علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جميع الصحابة ومنهم من يفضله على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنهم من يجعله ربا وسموا شيعة لتشيعهم لآل البيت وسموا روافض لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب حين سألوه عن أبي بكر وعمر فأثنى عليهما وقال: هما وزيرا جدي يعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانصرفوا عنه ورفضوه. اليوم الآخر: اليوم الآخر يوم القيامة ويدخل في الإيمان به كل ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يكون بعد الموت كفتنة القبر وعذابه ونعيمه وغير ذلك والإيمان به واجب ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة. فتنة القبر: فتنة القبر سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه فيثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد وأما المرتاب أو الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. والفتنة عامة لكل ميت إلا الشهيد ومن مات مرابطًا في سبيل الله وكذلك الرسل لا يُسألون لأنهم المسؤول عنهم. واختلف في غير المكلف الصغير فقيل يسأل لعموم الأدلة وقيل :لا لعدم تكليفه. واسم الملكين منكر ونكير تقدم في غير هذا الموضع أن هذين الأسمين غير ثابتين. قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه: قولهم فيه أنه حق ثابت لقوله تعالى: في آل فرعون {النارُ يعرضون عليها غدوًّا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]. وقوله في المؤمنين: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30]. ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (في الكافر حين يُسأل في قبره فيجيب فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار وقوله في المؤمن إذا سئل في قبره فأجاب فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابًا من الجنة). والعذاب أو النعيم على الروح فقط وقد يتصل بالبدن أحيانًا والعذاب على الكافرين مستمر أما على المؤمنين فبحسب ذنوبهم والنعيم للمؤمنين خاصة والظاهر استمراره. التوفيق بين ما ثبت من توسيع القبر للمؤمن وتضييقه على الكافر مع أنه لو فتح لوجد بحاله: التوفيق من وجهين: الأول: أن ما ثبت في الكتاب والسنة وجب تصديقة والإيمان به سواء أدركته عقولنا وحواسنا أم لا لأنه لا يعارض الشرع بالعقل لا سيما في الأمور التي لا مجال للعقل فيها. الثاني: أن أحوال القبر من أمور الآخرة التي اقتضت حكمة الله أن يحجبها عن حواس الخلق وعقولهم امتحانًا لهم ولا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا لتباين ما بين الدنيا والآخرة. القيامة: القيامة صغرى كالموت فكل من مات فقد قامت قيامته وكبرى وهي المقصودة هنا وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء وسميت بذلك لقيام الناس فيها وقيام العدل وقيام الأشهاد. ودليل ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع. فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون. ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 4: 5]. ومن أدلة السنة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنكم تحشرون حفاة عراة غرلًا). وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون وجميع أهل الأديان السماوية على إثبات يوم القيامة فمن أنكره أو شك فيه فهو كافر. وللقيامة علامات تسمى الأشراط كخروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها وجعلت لها هذه الأشراط لأنها يوم عظيم وهام فكان لها تلك المقدمات. حشر الناس: يحشر الناس يوم القيامة حفاة غير منتعلين عراة غير مكتسين غرلًا غير مختونين لقوله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء: 104]. وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنكم تحشرون حفاة عراة غرلًا). الأشياء التي ذكر المؤلف أنها تكون يوم القيامة: أولًا: دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين فيعرق الناس بقدر أعمالهم منهم من يصل عرقه إلى كعبيه ومنهم من يلجمه ومنهم من يكون بين ذلك ومن الناس من يَسْلَم من الشمس فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله مثل الشاب إذا نشأ في طاعة الله والرجل المعلق قلبه بالمساجد. ثانيًا: الموازين جمع ميزان يضعها الله لتوزن فيها أعمال العباد {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون .ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون} [الأعراف: 8: 9]. والميزان حقيقي له كفتان خلافًا للمعتزلة القائلين بأنه العدل لا ميزان حقيقي. وقد ذكر في القرآن مجموعًا وفي السنة مجموعًا ومفردًا فقيل: إنه ميزان واحد وجمع باعتبار الموزون وقيل :متعدد بحسب الأمم أو الأفراد وأفرد باعتبار الجنس. ثالثًا: نشر الدواوين أي فتحها وتوزيعها وهي صحائف الأعمال التي كتبتها الملائكة على الإنسان قال الله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} [الإسراء: 13: 14]. فآخذ كتابه بيمينه وهو المؤمن وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره لقوله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا. وينقلب إلى أهله مسرورًا. وما من أوتي كتابه وراء ظهره، فسوف يدعو ثبورًا. ويصلى سعيرًا} [المطففين: 7: 12]. وفي آية أخرى {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه} [الحاقة: 25]. والجمع بين هذه والتي قبلها إما باختلاف الناس وإما بكون الذي يأخذها بشماله تخلع يده من وراء ظهره. رابعًا: الحساب وهو محاسبة الخلائق على أعمالهم وكيفيته بالنسبة للمؤمن أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه ثم يقول: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم وبالنسبة للكافر أنه يوقف على عمله ويقرر به ثم ينادى على رؤوس الأشهاد .هؤلاء الذين كذبوا على ربهم {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] . وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء. ومن الناس من يدخل الجنة بلا حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ومنهم عكّاشة بن محصن. خامسًا: الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عرصات القيامة أي مواقفها يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبدًا طوله شهر وعرضه شهر وآنيته كنجوم السماء وماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك. ولكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته لكن الحوض الأعظم حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أنكر المعتزلة وجود الحوض وقولهم مردود بما تواترت به الأحاديث من إثباته. سادسًا: الصراط وهو الجسر المنصوب على جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم يمرون عليه على قدر أعمالهم كالطرف، وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب. ومنهم من يخطف فيلقى في النار فيعذب بقدر عمله فإذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض قصاصًا تزول به الأحقاد والبغضاء ليدخلوا الجنة إخوانًا متصافين. سابعًا : الشفاعة: وهي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة ولا تكون إلا بإذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له، وتنقسم إلى قسمين خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعامة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فالخاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر المؤلف منها نوعين: الأول: الشفاعة العظمى حيث يشفع في أهل الموقف إلى الله ليقضي بينهم بعد أن تطلب الشفاعة من آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم الصلاة والسلام فلا يشفعون حتى تنتهي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيشفع فيقبل الله منه وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله بقوله: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79]. الثاني: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها. وأما العامة فذكر المؤلف منها نوعين: الأول: الشفاعة فيمن استحق النار من المؤمنين أن لا يدخلها. الثاني: الشفاعة فيمن دخلها منهم أن يخرج منها وهذان النوعان ينكرهما المعتزلة والخوارج بناء على قولهم: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة. ويخرج الله أقوامًا من النار بغير شفاعة بل بفضله ورحمته. ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشئ الله لها أقوامًا فيدخلهم الجنة. الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالقضاء والقدر واجب ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. ومعنى الإيمان بالقضاء والقدر أن تؤمن بأن كل ما في الكون من موجودات ومعدومات عامة وخاصة فإنه بمشيئة الله وخلقه وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. درجات الإيمان بالقضاء والقدر: للإيمان بالقدر درجتان كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولى تتضمن العلم والكتابة ودليلها قوله تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} [الحج: 70]. فالعلم أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا. والكتابة هي أن تؤمن بأن الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ بحسب علمه وهي أنواع. النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ودليلها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن الله لما خلق القلم قال له: اكتب قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة). النوع الثاني: الكتابة العمرية وهي ما يكتبه الملك الموكل بالأرحام على الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر فيؤمر الملك بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ودليله حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين وهذه الدرجة ينكرها غلاة القدرية قديمًا. وأما الدرجة الثانية فتتضمن شيئين المشيئة والخلق ودليل المشيئة قوله تعالى: {ويفعل الله ما يشاء} [إبراهيم: 27]. ودليل الخلق قوله تعالى: {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62]. فأما المشيئة فهي أن تؤمن بمشيئة الله العامة وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن سواء في ذلك أفعاله أو أفعال الخلق كما قال تعالى: في أفعاله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [السجدة:13]. وقال في أفعال خلقه {ولو شاء ربك ما فعلوه} [الأنعام: 112]. وأما الخلق فهو أن تؤمن أن الله خالق كل شيء سواء من فعله أو أفعال عباده. دليل الخلق في فعله قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام} [الأعراف: 54]. ودليل الخلق في أفعال العباد قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96]. ووجه كونه خالقًا لأفعال العباد أن فعل العبد لا يصدر إلا عن إرادة وقدرة وخالق إرادة العبد وقدرته هو الله. مشيئة العبد وقدرته: للعبد مشيئة وقدرة لقوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223]. وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]. فأثبت الله للعبد مشيئة واستطاعة وهي القدرة إلا أنهما تابعتان لمشيئة الله تعالى: لقوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29]. من ضل في هذه الدرجة وهي المشيئة والخلق : ضل فيها طائفتان: الأولى: القدرية حيث زعموا أن العبد مستقل بإرادته وقدرته ليس لله في فعله مشيئة ولا خلق. الثانية: الجبرية حيث زعموا أن العبد مجبور على فعله ليس له فيه إرادة ولا قدرة. والرد على الطائفة الأولى القدرية بقوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} [الإنسان: 30]. وقوله: {ولو شاء ربك ما فعلوه} [الأنعام: 112]. والرد على الطائفة الثانية الجبرية بقوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم} [التكوير: 28], {فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223]. فأثبت للإنسان مشيئة وقدرة. الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل: لا يجوز الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل لأن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب الأول وندع العمل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة) وتلا قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى} [الليل: 5: 10]. مجوس هذه الأمة: مجوس هذه الأمة القدرية الذين يقولون: إن العبد مستقل بفعله. سموا بذلك لأنهم يشبهون المجوس القائلين بأن للعالم خالقين النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر وكذلك القدرية قالوا: إن للحوداث خالقين فالحوادث التي من فعل العبد يخلقها العبد والتي من فعل الله يخلقها الله. الجبرية يخرجون عن أحكام الله حِكَمَها ومصالحها فما وجه ذلك: وجه ذلك أن الجبرية لا يفرقون بين فعل العبد اختيارًا وفعله بدون اختيار كلاهما عندهم مجبر عليه كما سبق وإذا كان كذلك صار ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية لا حكمة له إذ الفعل جاء بدون اختياره وما كان كذلك فإن صاحبه لا يمدح عليه فيستحق الثواب ولا يذم عليه فيستحق العقاب. الإيمان: الإيمان لغة التصديق، واصطلاحًا: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح فقول القلب تصديقه وإقراره وعمل القلب إرادته وتوكله ونحو ذلك من حركاته وقول اللسان نطقه وعمل الجوارح الفعل والترك. والدليل على أن الإيمان يشمل ذلك كله قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته.. إلخ. وهذا قول القلب. وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها اماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان. فقول: لا إله إلا الله قول اللسان وإماطة الأذى عن الطريق عمل الجوارح والحياء عمل القلب. زيادة الإيمان ونقصانه: الإيمان يزيد وينقص لقوله تعالى: {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} [الفتح: 4]. وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النساء: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). وسبب زيادته الطاعة وهي امتثال أمر الله واجتناب نهيه وسبب نقصه معصية الله بالخروج عن طاعته. الكبيرة: الكبيرة كل ذنب قرن بعقوبة خاصة كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين والغش ومحبة السوء للمسلمين وغير ذلك وحكم فاعلها من حيث الاسم أنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وليس خارجًا من الإيمان لقوله تعالى: في القاتل عمدًا : {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178]. فجعل الله المقتول أخًا للقاتل ولو كان خارجًا من الإيمان ما كان المقتول أخًا له ولقوله تعالىفي الطائفتين المقتتلتين: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] . إلى قوله: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10]. فجعل الله الطائفتين المقتتلتين مع فعلهما الكبيرة إخوة للطائفة الثالثة المصلحة بينهما. وحكم فاعل الكبيرة من حيث الجزاء أنه مستحق للجزاء المرتب عليها ولا يخلد في النار وأمره إلى الله إن شاء عذبه بما يستحق وإن شاء غفر له لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]. الذي خالف أهل السنة في فاعل الكبيرة: خالفهم في ذلك ثلاث طوائف: 1. 1. المرجئة: قالوا: إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا عقاب عليه. 2. 2. الخوارج: قالوا :إنه كافر مخلد في النار. 3. 3. المعتزلة: قالوا :لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين وهو مخلد في النار . هل الفاسق يدخل في اسم الإيمان. الفاسق لا يدخل في اسم الإيمان المطلق أي الكامل كما في قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2]. وإنما يدخل في مطلق الإيمان أي في أقل ما يقع عليه الاسم كما في قوله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92]. فالمؤمن هنا يشمل الفاسق وغيره. الصحابي وموقف أهل السنة من الصحابة: الصحابي من اجتمع بالنبي صلىالله عليه وسلم أو رآه ولو لحظة مؤمنًا به ومات على ذلك وموقف أهل السنة من الصحابة محبتهم والثناء عليهم بما يستحقون وسلامة قلوبهم من البغضاء والحقد عليهم وسلامة ألسنتهم من قول ما فيه نقص أو شتم للصحابة كما وصفهم الله بقوله: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} [الحشر: 10]. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). اختلاف مراتب الصحابة رضي الله عنهم: تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلًا وعد الله الحسنى} [النساء: 96]. وسبب اختلاف مراتبهم قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسبق إلى الإسلام وأفضلهم جنسًا المهاجرون ثم الأنصار لأن الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار} [التوبة: 117]. ولأنهم جمعوا بين الهجرة من ديارهم وأموالهم والنصرة. وأفضل الصحابة عينًا أبو بكر ثم عمر بالإجماع ثم عثمان ثم علي على رأي جمهور أهل السنة الذي أستقر عليه أمرهم بعد ما وقع الخلاف في المفاضلة بين علي وعثمان فقدم قوم عثمان وسكتوا وقدم قوم عليًا ثم عثمان وتوقف قوم في التفضيل. ولا يضلل من قال بأن عليًا أفضل من عثمان لأنه قد قال به البعض من أهل السنة. الخلفاء الأربعة: الخلفاء الأربعة هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وترتيبهم في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم أو خالف في ترتيبهم لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة. وثبتت خلافة أبي بكر بإشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها حيث قدمه في الصلاة وفي إمارة الحج وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة. وثبتت خلافة عمر بعهد أبي بكر إليه بها وبكونه أفضل الصحابة بعد أبي بكر وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه. وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحَل والعقد له وبكونه أفضل الصحابة بعد عثمان. أهل بدر: أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ومعناه أن ما يحصل منهم من المعاصي يغفره الله بسبب الحسنة الكبيرة التي نالوها في غزوة بدر ويتضمن هذا بشارة بأنه لن يرتد أحد منهم عن الإسلام. أهل بيعة الرضوان: أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام الحديبية على قتال قريش وألا يفروا حتى الموت وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم للمفاوضة. وسميت بيعة الرضوان لأن الله رضي عنهم بها وعددهم نحو ألف وأربعمائة، والفضيلة التي حصلت لهم هي: 1. 1. رضي الله عنهم لقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18]. 2. 2. سلامتهم من دخول النار لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة. آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي وجعفر والعباس ونحوهم والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام لإيمانهم بالله ولقرابتهم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: (أذكركم الله في أهل بيتي) ولأن ذلك من كمال الإيمان لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (والله لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي). والذين ضلوا في أهل البيت طائفتان. الأولى: الروافض حيث غلوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعى بعضهم أن عليًا إله. الثانية: النواصب وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت وآذوهم بالقول وبالفعل. زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل نساء الأمة لمكانتهن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأنهن أمهات المؤمنين ولأنهن زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآخرة ولطهارتهن من الرجس ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن لأن ذلك يستلزم نقص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتدنيس فراشه وأفضلهن خديجة وعائشة وكل واحدة منهما أفضل من الأخرى من وجه، فمزية خديجة أنها أول من آمن بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنها عاضدته على أمره في أول رسالته وأنها أم أكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم وأن لها منزلة عالية عنده فكان يذكرها دائمًا ولم يتزوج عليها حتى ماتت. ومزية عائشة: حسن عشرتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر أمره وأن الله برأها في كتابه مما رماها به أهل الإفك وأنزل فيها آيات تتلى إلى يوم القيامة وأنها حفظت من هدي النبي صلىالله عليه وسلم وسنته ما لم تحفظه امراة سواها وأنها نشرت العلم الكثير بين الأمة وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتزوج بكرًا سواها فكانت تربيتها الزوجية على يده وأن النبي صلىالله عليه وسلم قال فيها: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم: موقفهم في ذلك أن ما جرى بينهم فإنه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد وليس ما جرى بينهم صادرًا عن إرادة علو ولا فساد في الأرض لأن حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك فإنهم أوفر الناس عقولًا وأقواهم إيمانًا وأشدهم طلبًا للحق كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (خير الناس قرني) وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جرى بينهم ونرد أمرهم إلى الله لأن ذلك أسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم. موقف أهل السنة من الآثار الواردة في الصحابة: موقفهم من الآثار الواردة في مساوىء بعضهم على قسمين: الأول صحيح: لكنهم معذورون فيه لأنه واقع عن اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ له أجر وإن أصاب فله أجران. الثاني غير صحيح: إما لكونه كذبًا من أصله وإما لكونه زيد فيه أو نقص أو غير عن وجهه وهذا القسم لا يقدح فيهم لأنه مردود. عصمة الصحابة رضي الله عنهم: الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب فإنهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم لكنهم أقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية: 1. 1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح. 2. 2. السبق إلى الإسلام والفضيلة وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم خير القرون. 3. 3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان. 4. 4. التوبة من الذنب فإن التوبة تجب ما قبلها. 5. 5. الحسنات التي تمحو السيئات. 6. 6. البلاء وهو المكاره التي تصيب الإنسان فإن البلاء يكفر الذنوب. 7. 7. دعاء المؤمنين لهم. 8. 8. شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي هم أحق الناس بها. وعلي هذا فالذي ينكَر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم لأنهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم ما كان ولا يكون مثلهم. الشهادة بالجنة أو النار: الشهادة بالجنة على نوعين: عامة وخاصة. فالعامة: أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه ودليلها قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلًا} [الكهف: 107]. والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة فمن شهد له النبي صلىالله عليه وسلم شهدنا له مثل: العشرة وثابت بن قيس بن شماس وعكاشة بن محصن وغيرهم من الصحابة. وكذلك الشهادة بالنار على نوعين: عامة وخاصة. فالعامة أن نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار ودليلها قوله تعالى: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا} [النساء: 56]. والخاصة أن نشهد لشخص معين بالنار وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة مثل أبي لهب وامرأته ومثل أبي طالب وعمرو بن لحي الخزاعي. قول أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء: قول أهل السنة في كرامات الأولياء أنها ثابتة واقعة ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان. وخالف فيها المعتزلة محتجين بأن إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي والساحر بالولي والرد عليهم بأمرين: 1. 1. أن الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة. 2. 2. أن ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح لأنه لا نبي بعد محمد صلىالله عليه وسلم ولأن النبي يقول إنه نبي فيؤيده الله بالمعجزة والولي لا يقول: إنه نبي. وكذلك ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح لأن الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها وأما الساحر فكافر منحرف يحصل له أثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه ويمكن أن يعارض بسحر آخر. الولي ومعنى الكرامة: الولي: كل مؤمن تقي أي قائم بطاعة الله على الوجه المطلوب شرعًا. والكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى: على يد ولي من أوليائه تكريمًا له أو نصرة لدين الله. وفوائدها: 1. 1. بيان قدرة الله. 2. 2. نصرة الدين أو تكريم الولي. 3. 3. زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يده وغيره. 4. 4. أنها من البشرى لذلك الولي. 5. 5. أنها معجزة للرسول الذي تمسك الولي بدينه لأنها كالشهادة للولي بأنه على حق. والفرق بينها وبين المعجزة أنها تحصل للولي والمعجزة للنبي والكرامة نوعان: 1. 1. في العلوم والمكاشفات: بأن يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم: الجبل يا سارية فسمعه القائد فاعتصم بالجبل. 2. 2. في القدرة والتأثيرات: بأن يحصل للولي من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء. طريقة أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعملهم: طريقتهم في ذلك: أولًا: اتباع آثار النبي صلىالله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا وآثار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار امتثالًا لقوله صلىالله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.. ) الحديث. والخلفاء الراشدون هم الذين خلفوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته في العلم والإيمان والدعوة إلى الحق وأولى الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. ثانيًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة والمعروف ما عرف حسنه شرعًا والمنكر ما عرف قبحه شرعًا فما به أَمَر الشارع فهو معروف وما نهى عنه فهو منكر. وللأمر بالمعروف شروط: i. i. أن يكون المتولي لذلك عالمًا بالمعروف وبالمنكر. ii. ii. أن لا يخاف ضررًا على نفسه. iii. iii. أن لا يترتب على ذلك مفسدة أكبر. ثالثًا: النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم أبرارًا كانوا أو فجارًا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله. رابعًا: النصح لجميع الأمة وبث المحبة والألفة والتعاون بين المسلمين مطبقين في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدٌّ بعضه بعضًا). وقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). خامسًا: الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال كالصدق والبر والإحسان إلى الخلق والشكر عند النعم والصبر على البلاء وحسن الجوار والصحبة وغير ذلك من الأخلاق المحمودة شرعًا وعرفًا. سادسًا: النهي عن مساوئ الأخلاق: كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق والتسخط من القضاء والكفر بالنعمة والإساءة إلى الجيران والأصحاب وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعًا أو عرفًا. الأمور التي يزنون بها أهل السنة والجماعة ما كان عليه الناس من العقائد والأعمال والأخلاق: الأمور التي يزن بها ذلك هي الكتاب والسنة والإجماع. فالكتاب هو القرآن ،والسنة قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعله وإقراره، والإجماع هو اتفاق العلماء المجتهدين من هذه الأمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حكم شرعي. والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة. ولم يذكر المؤلف القياس لأن مرده إلى هذه الأصول الثلاثة. الصديقون والشهداء والصالحون والأبدال: الصديقون هم الصادقون باعتقادهم وقولهم وعملهم والمصدقون بالحق. والشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله وقيل: العلماء. والصالحون هم الذين صلحت قلوبهم وجوارحهم بما قاموا به من الأعمال الصالحة. والأبدال هم الذين يخلف بعضهم بعضًا في نصر الدين والدفاع عنه كلما ذهب منهم واحد خلفه آخر بدله. وكل هؤلاء الأصناف الأربعة موجودون في أهل السنة والجماعة. الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وما المراد بقيامها؟: الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة الذين قال فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) وفي رواية (حتى تقوم الساعة) والمراد بقيام الساعة قرب قيامها بالفعل وإنما أولناه بذلك لأجل أن يصح الجمع بينه وبين حديث (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ). وأهل السنة والجماعة هم خيار الخلق بعد الأنبياء فلا يمكن أن تدركهم الساعة. فنسأل الله أن يجعلنا منهم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تم بحمد الله - تعالى - المجلد الرابع ويليه بمشيئة الله - عز وجل - المجلد الخامس
|